[c]التفصيل:
أولا. الإسلام هو أول نظام متكامل يكفل حقوق المرأة، ويضمن حريتها في اختيار الزوج:
إن الإسلام - بأحكامه - يعد أول نظام متكامل يكفل للمرأة حقوقها، ويضمن لها حريتها على كافة مستويات المعيشة: العقدي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، هذه الحرية من أولى الحقوق التي أكسبها الإسلام للمرأة.
ولكن ثمة سؤال يفرض نفسه: ماذا تعني هذه الحرية؟! وهل للذكورة أو الأنوثة دخل في تحديد معاييرها، وقصرها على صنف دون آخر؟!
وللإجابة على هذا السؤال نقول: إن الحرية على نوعين:
· الحرية الداخلية: أي: القدرة على تحكم الإنسان في ذاته، والتحرر من قوانين بشريته، ومن ذلك ما قد يملك الإنسان القدرة على التحكم فيه، ومنه ما لا يملك ذلك منه - وهذا الجانب لا يهمنا في هذا المقام -.
· الحرية الخارجية: وهي مدى المرونة التي يتمتع بها الإنسان في التعامل مع العالم المحيط به، من حيث سائر الأنظمة والأنشطة التي تتجلى فيه[4] - وهذا ما نحن بصدد الحديث عنه -.
ولا يفوتنا أن نركز على أن ذكورة الرجل أو أنوثة المرأة لا تدخل بشكل من الأشكال في معايير الحرية بنوعيها؛ فمعلوم أن علاقة الإنسان بالحرية الداخلية مع ذاته وعلاقته بالحرية الخارجية مع مجتمعه، تنطبق على كل من الرجل والمرأة على السواء؛ فلا دخل للذكورة بحد ذاتها، أو الأنوثة بحد ذاتها في جوهر الحرية أو نسبة تمتع الإنسان بها.
وكما أن الإنسان لا يملك التحرر من قوانين بشريته، لا يضبط حريته في علاقاته الاجتماعية إلا بما تقتضيه حماية حريات الآخرين، ورعاية مصالحهم المشروعة، ومما لا شك فيه أن الرجل والمرأة في ذلك سواء[5].
وعجيب حقا أن يتهم الإسلام بهضم حرية المرأة في اختيار زوجها، وهو الدين الذي أنقذها مما كانت تعانيه من كونها مجرد سقط متاع، تباع وتشترى في الأسواق عند اليونانيين، إلى حسابها في عداد الماشية المملوكة عند البابليين، إلى اعتبارها لعنة؛ لأنها المسئولة الأولى عن خطيئة آدم - عليه السلام - عند اليهود، إلى رؤيتها مدخلا للشيطان عند المسيحيين، وليس هذا فحسب، بل اعتبرت مصدرا للعار والفضيحة عند العرب الجاهليين، ومن ثم كان الوأد[6] في التراب هو العقيدة السائدة عندهم.
وعجيب أن يتهم الإسلام وأحكامه الخاصة بالزواج بأنه يسيء إلى المرأة، وهو الذي أحلها المكانة اللائقة بها في كل المجالات، ومنها:
1. المجال الإنساني: فاعترف بإنسانيتها كاملة كالرجل، وهذا ما كان محل شك أو إنكار عند أكثر الأمم المتمدنة سابقا.
2. المجال الاجتماعي: فقد فتح أمامها مجال التعلم وأسبغ عليها مكانة اجتماعية كريمة في مختلف مراحل حياتها منذ طفولتها حتى نهاية حياتها، بل إن هذه الكرامة تنمو كلما تقدمت في العمر: من طفلة إلى زوجة إلى أم، حيث تكون في سن الشيخوخة التي تحتاج معها إلى مزيد من الحب والحنو والإكرام.
3. المجال الحقوقي: فقد أعطاها الأهلية المالية الكاملة في جميع التصرفات حين تبلغ سن الرشد، ولم يجعل لأحد عليها ولاية من أب أو زوج أو رب أسرة[7].
على أن الإسلام حين كفل للمرأة الحقوق سالفة الذكر - والتي حرمها غيره منها - كان أكثر موضوعية من أولئك الجاهليين، فهو حين يسوي بين المولود الذكر والأنثى - مثلا - تكون هذه التسوية؛ نظرا لاشتراك الرجل والمرأة في القيام بكل أعباء الحياة عامة وخاصة، وإلى أن حاجة الأمة لها ليست بأقل من حاجتها إلى الرجل؛ لذا جاء القرآن متهكما بعقول أناس يحتقرون وليدا لا لشيء إلا لكونه أنثى، ويميزون بين اثنين ما زالا في المهد لـما يدر طيبهما من خبيثهما، قال عز وجل: )يتوارى من القوم من سوء ما بشر به( (النحل: 59)[8].