جاء فى شرح مقدمة القيروانى
وقول المصنف ابن أبي زيد -عليه رحمة الله-: (والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم) كأن الشيخ يميل إلى أن المقصود بولاة الأمور هم الأمراء، لماذا؟ كيف عرفنا ذلك؟ أنه قال: (وعلمائهم)، فعطف على ولاة الأمور العلماءَ، والعطف- كما يقول الأصوليون- يقتضي المغايرة، العطف يقتضي المغايرة، فما قبل الواو لا يكون من جنس ما بعد الواو، فلابد من طاعة هذين الصنفين: العلماء والأمراء.
ولابد أن نذكر منهج السلف مع الأمراء حتى وإن ظلموا، منهج السلف مع الأمراء وأقصد بذلك الأمراء المسلمين الذين يثبت لهم عقد الإسلام وإن ظلموا وإن جاروا هذا منهج رصين لابد للناس أن يفقهوه وأن يتأملوه:
الأمر الأول: التحذير من الخروج عليهم، المنهج: التحذير من الخروج عليهم، أخرج الإمام أحمد في مسنده: «أن أهل المدينة في سنة ثلاث وستين لما أرادوا الخروج على يزيد بن معاوية، بسبب شربه الخمر وودعه بعض الصلوات أرادوا الخروج عليه، فكلموا في ذلك عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- فأبى عبد الله بن عمر أن يشاركهم في خلع يزيد بن معاوية مع فسقه ومع فجوره، بل قال: جمع ابن عمر بنيه وأهله، ثم تشهد) قال: أشهد أن لا إله إلا الله, قال الخطبة أو مقدمة الخطبة ثم قال: (أما بعد، فإننا بايعنا هذا الرجل) يقصد بهذا الرجل هو من؟ الذي هو يزيد بن معاوية، (على بيع الله ورسوله) بايعناه على السمع والطاعة في طاعة الله ورسوله ( وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال: هذا غدرة فلان) هذا في المسند.
وعند البخاري أن عبد الله بن عمر قال: «وإني لا أعلم أحداً يقول لأهله وأولاده وأتباعه وخدمه، وإني لا أعلم أحد منكم خلعه» أي خلع أمير المسلمين يزيد بن معاوية «ولا تابع في هذا الأمر» أي شجع على خلعه أو مشى في خلعه، «إلا كانت الفيصل بيني وبينه».
وأيضاً ممن لم يشارك في فتنة خلع الأمير يزيد بن معاوية محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بمحمد بن الحنفية -رضي الله تعالى عنه- وقصته في ذلك طويلة ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية, المجلد الثالث عشر فليراجعه من شاء.
وعندما نطوي أكثر من مائة سنة تقريباً لنصل إلى عهد الإمام أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله- وبالتحديد في عهد الخليفة الواثق بالله العباسي الذي نشر مقولة خلق القرآن وكان البلاء في عهده أشد مما كان في عهد المأمون والمعتصم، فأراد فقهاء بغداد أن يخلعوا الخليفة الواثق بالله، وعند ذلك نهاهم الإمام أحمد مع أن القول بخلق القرآن كفر، أجمع أئمة أهل السنة على أن من قال بأن القرآن مخلوق فهو كافر، ومع ذلك نهاهم عن خلع هذا الإمام وقال لهم: وهذا الكلام ثابت قال لهم: «عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم وانظروا في عاقبة أمركم» لابد أن الإنسان يتربص وينظر إلى مآلات الأمور وهذا هو الاتزان، «وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر».
وقال الإمام أحمد وهذا الأثر أيضاً نقله الخلال في كتابه العظيم: "السنة" قال: «ليس هذا » أي: الخروج على الحكم ومخالفة الحكام وخلع طاعة الحكام قال: «هذا خلاف الآثار» فالحاكم إذا ثبت إسلامه بيقين وإن ظلم وإن بغى تجب طاعته ولا يجوز أن يخرج عليه بل يجب أن نستبدل الخروج على الحكام ومخالفة الحكام المسلمين بطاعتهم وتوقيرهم، وليس هذا فحسب بل لابد من توقير العلماء مع الأمراء، إذن: صنفان لابد أن نربي الناس على توقيرهم وعلى احترامهم:
الصنف الأول: الأمراء المسلمون.
والصنف الثاني: العلماء الربانيون. اتباع السلف الصالح:
هذان الصنفان مهمان جداً، في بعض البلاد عندما تجرأ بعض الشباب على العلماء الكبار وغمزوهم وهمزوهم ما الذي حدث؟ انفرط الأمر في هذه الديار مع أن هذه الديار كان الأمر معقوداً عليها بالبر والخير لَمَّا كان الناس مجتمعين على علمائهم، فلابد للناس أن تجتمع على الأمراء المسلمين وأن تجتمع على العلماء الربانيين، فهذه مسألة مهمة جداً.
لو ضاع توقير العلماء والأمراء من نفوس الناس ضاع الشرع والأمن، من الذي سيقود الناس في القتال والحروب ويقيم الحدود ويحمي بيضة الإسلام والمسلمين وما إلى ذلك؟ الأمراء، من الذي يوجه الأمراء ويربط على قلوب العباد؟ ويربي الناس على الدين؟ إنما هم العلماء، فإذا تضعضعت مكانة الأمراء المسلمين والعلماء الربانيين في قلوب الأمة فإن الأمة يضيع منها الأمن كما يضيع منها الدين- والعياذ بالله-.
نقل القرطبي في تفسيره عن سهل بن عبد الله التستري -رحمه الله تعالى- أنه قال: «لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين» أي: السلطان والعلماء «أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين» أي بالأمراء والعلماء «أفسدوا دنياهم وأخراهم».
إذن: أول واجب من الواجبات: أن نطيعهم وألا نخرج عليهم ما كان عقد الإسلام قائماً، الأمر الثاني: وهو مهم جداً جداً جداً؛ لأن بعض الناس يبيح لنفسه الدعاء على الحكام وسب الحكام، الأمر الثاني: الدعاء لهم، الدعاء للحكام والنهي عن سبهم- ما شاء الله- مسألة مهمة جداً، بعض الناس يفرح عندما يقوم خطيباً ليسب ويتهكم و.. و.. إلى ذلك، هذه مسألة لابد أن نقف عندها؛ لأن سب الأمراء هذه نواة الفتنة، نواة الفتنة سب الأمراء, عندما نقرأ في كتب التاريخ نجد أن أول فتنة عظيمة ظهرت كانت مقتل عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- لما قتل عمر كان أمر المسلمين مجتمعاً فالفتنة الصلعاء التي كانت بداية الشر العظيم لهذه الأمة مقتل أمير المؤمنين عثمان، كيف قتل عثمان -رضي الله تعالى عنه-؟ في بداية الأمر هناك رجل يهودي استظهر أو تستر بالإسلام ويسمى بعبد الله بن سبأ، وهذا الرجل هناك كلام كثير حول شخصيته هذا الرجل ما الذي صنع؟ هو من يهود اليمن وأظهر الإسلام تنقل في بلاد المسلمين في الشام وفي مصر وفي الحجاز والعراق يدعو الناس إلى التألب ويدعوهم إلى الخروج على عثمان بن عفان وأخذ يتهم عثمان بن عفان بالخفة والطيش وعدم السداد وإضاعة الأموال وتقريب الأقارب ونحواً من ذلك حتى ألب قلوب الناس على من؟ على عثمان بن عفان ماذا كانت النتيجة؟ قام الناس وحاصروا دار عثمان -رضي الله تعالى عنه- وقتل عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه-، إذن: سب الأمراء المسلمين هذه بداية الفتنة، بداية الفتنة، بل هذا أصل الفساد، فإذا علمنا بأن الوسائل لها أحكام وأن من المقاصد الشرعية العظيمة الحفاظ على المصالح العامة المتمثلة في استتباب الخير والأمن والسلم في مجتمع المسلمين لعلمنا أن النهي عن سب الأمراء المسلمين سار ملمحاً شرعياً يميز أهل السنة عن غيرهم، وهذا الأصل الذي هو منع اللسان عن سب الحكام هذا أصل أصيل دل عليه الإسلام وأرشد إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- من ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) إذا كان الحاكم في بلدة والساب في بلدة أخرى يا ترى هل سيصل هذ السباب لهذ الحاكم؟ هل سيستفيد الحاكم من هذا السباب شيئا؟ لن يستفيد منه شيئاً. إذن: هذه كارثة عظمى لابد أن ننتبه إليها.
وفي البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه- (أن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- قالوا: يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال بأبي هو وأمي -عليه الصلاة والسلام- من سلم المسلمون من لسانه ويده).
وعند البيهقي في الجامع لشعب الإيمان من طريق التابعي الجليل قيس بن وهب -رضي الله تعالى عنه- قال: (أمرنا أكابرنا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا نسب أمراءنا)، هذا نص خطير مهم جداً (أمرنا أكابرنا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا نسب أمراءنا).
وهذا التعظيم ليس لشخص الأمير وإنما هو تعظيم لمسؤولية الأمير, انتبه أنت تنام في بيتك ولكن هذا الأمير يسهر على راحتك وهذا الأمير يحمل هَمَّ الأمة, يحمل هم الفقير وهم المريض, هَمَّ الطريق المعوج الذي يريد أن يجعله مستقيماً, يحمل هَمَّ المنكوبين وهَمَّ المأسورين وهَمَّ الفقراء وهمَّ المحاويج, يحمل همَّ الإسلام هذا الأمير نعظمه لما يحمل من هَمَّ, نعظمه لما يحمل من مسؤوليات.
أخرج ابن عبد البر في التمهيد عن أبي إسحاق السبيعي -رضي الله تعالى عنه- قال:« ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيره » وأخرج ابن عساكر في "تاريخ دمشق" أن ابن المبارك قال: «من استخف بالعلماء»، أرجو أن تحفظوها, القول جميل جداً «من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه ومن استخف بالإخوان» أي: الأصحاب والخلان لا أقصد بالإخوان اتجاهاً معيناً «ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته» ولذلك كان منهج أهل السنة: الدعاء للحكام.
ماذا ستفعل حينما يكون الشخص الوحيد القادر على مسح دموعك هو من جعلك تبكى
|